Girl in a jacket

العيون.. سكان الأقاليم الجنوبية يحاولون الحفاظ على طقوسهم الدينية وعاداتهم اجتماعية في شهر رمضان

كالة الصحراء للانباء : عبدالله جداد

تعيش الأقاليم بالجهات الجنوبية  خلال أيام شهر رمضان الأبرك حالة من التعبئة الشاملة لتعيش أياما غنية متشبعة بالدين والقران الكريم ، والمحافظة  يتميز شهر رمضان بإقليم العيون وعلى غرار باقي الأقاليم الجنوبية للمملكة بطقوس دينية وعادات اجتماعية خاصة، منها ما يزال راسخا، ومنها ما اندثر أو في طريقه للزوال، بسبب متطلبات الحياة العصرية.وفي هذه الورقة تقديم لأجواء الاستعدادات لشهر رمضان الكريم.   كغيره من المجتمعات البدوية، يتميز المجتمع الصحراوي بالأ
قاليم الجنوبية بالكثير من الممارسات الاجتماعية وجملة من العادات والتقاليد الخاصة خلال شهر رمضان المبارك، انطلاقا من التحضير لهذا الشهر الكريم، إلى إعداد موائد الإفطار والسحور، ثم باقي الممارسات المتعلقة بالتواصل الاجتماعي، وقضاء يوم رمضان وليله من طرف الصائم بهذه الربوع. حيث تختلف استعدادات رمضان عند أهل الصحراء ، خصوصاً وأن عادات الأكل والشرب في رمضان لا تختلف عن باقي أيام السنة، فلا يتم التحضير لهذا الشهر الكريم بشكل خاص، أو في وقت مبكر، اللهم بعض التغييرات الطفيفة إذ ينصرف الجميع إلى أشغالهم حتى يعلن عن إقبال شهر الصيام فيتسابقون لتبادل التهاني في خشوع وابتهال، ثم يعود كل واحد بعد ذلك ليضع آخر اللمسات على مائدة أول سحور في رمضان، والتي لا تختلف عادة عن وجبة عادية تكون في غالب الأحيان دسمة يتأخر تحضيرها بعض الشيء؛ حتى يستأنس الكبار والصغار بعادات هذا الشهر الاستثنائي.   ومن بين العادات الشعبية التي لا تزال متداولة بالصحراء خلال هذا الشهر الفضيل، على الرغم من التطور الذي عرفته مختلف مجالات الحياة اليومية، عقد جلسات السمر بعد صلاة التراويح، والتي يتم خلالها إعداد الشاي وتناوله على الطريقة المحلية المعروفة بالجيمات الثلاث، مع ما يتخلل ذلك من إبداع شعري والتسلي بالألغاز فضلا عن تبادل الآراء والأفكار حول مواضيع وقضايا تهم حياتهم اليومية. وتؤثث فضاء الجلسات الرمضانية في غالب الأحيان ممارسة ألعاب تقليدية نسجها المخيال الشعبي الحساني بالصحراء على نحو طقوسي واسع، منها لعبة “السيك” ولعبة ” اكرور”، وهي لعبة نسائية بامتياز، تعتمد على المهارات والقدرات الذهنية، وكذا لعبة ” ضاما” و”الضومينو” فضلا عن لعبة “مرياس” و”دبلي”، التي يدمن الرجال على ممارستها بالصحراء. وبخصوص مائدة الإفطار، أبرزت الفاعلة الجمعوية، مريم العيساوي، أن الصحراويون كانوا يحبذون تناول وجبات تنسجم مع نمط عيشهم وخصوصية حياتهم، مشيرة إلى أن مائدة الإفطار كانت تقتصر على تحضير لحسا لحمر (الحساء الأحمر) المعد أساسا من دقيق الشعير إلى جانب التمر والألبان، فضلا عن الشاي الذي يعد مشروبا شعبيا يحتل مكانة استثنائية في العادات الغذائية بالصحراء. اما اليوم، تضيف العيساوي ، فان مائدة الإفطار، فلا تكاد تخلو من شربة “الحريرة” بأنواعها المختلفة إلى جانب التمر والحليب والسمك والحلويات وأنواع متعددة من الفطائر والعصائر رمضان بالعيون.. بين تقاليد الماضي وواقع الحاضر وذكرت أن وجبة العشاء، من النادر تحضيرها بالصحراء إذ يتم الاكتفاء بإعداد الشاي مرة أخرى وتمضية الوقت في التسلية، عكس وجبة السحور، التي غالبا ما يتم فيها تناول أطباق تختلف باختلاف الأذواق والأجيال والمستوى الاجتماعي للأسر، مبرزة أن بعض العادات والتقاليد اختفت، حيث لم تعد للأكلات الشعبية المعروفة باسم “بلغمان” و”الزميت” و”العيش” و”تيشطار” أي اللحم المجفف مكانا ضمن المائدة الصحراوية وتم تعويضها بالأسماك بمختلف أنواعها واللحوم الحمراء والبيضاء والخضروات والفواكه. فعلى الرغم من التحول الذي طرأ على النظام الغذائي بالصحراء خلال شهر رمضان، فإن أجواء رمضان الروحية والاجتماعية ظلت في كثير من تجلياتها راسخة في وجدان المجتمع الحساني كطقوس وممارسات شعبية تعكس جوانب منها المستوى الاجتماعي للأسر، والمظاهر الدينية المتأصلة في ذاكرة المجتمع الحساني، مادامت تأتي في طليعة الثوابت والمرتكزات التي لا محيد عنها. وهذا لا يعني أن شهر رمضان بالأقاليم الجنوبية كله لهو واكل وشرب، حيث يحرص الصائم بهذه الأقاليم على حضور ما تيسر له من دروس دينية ثم الانصراف إلى العبادات وأداء الفرائض في ورع وتقوى كما يليق بشهر رمضان الكريم، وكما دأبت على ذلك ممارسات الآباء والأجداد، إلى جانب صلة الأرحام وتبادل الزيارات بين الأحباب والأصدقاء والجيران، التي قد تزيد قليلا عن الأيام العادية بسبب فسحة الزمن التي يتيحها هذا الشهر الكريم. ويقسم سكان الأقاليم الجنوبية شهر رمضان إلى ثلاث مراحل يسمون الأولى منها بعشراية التركة (الأطفال) أو عشراية ركاب الخيل حيث تكون للإنسان قدرة على تحمل الصيام وتسمى الثانية بعشراية أفكاريش، أو عشراية ركاب لبل (الإبل) وهي مرحلة تتطلب صبرا إضافيا فيما تسمى المرحلة الثالثة بعشراية لعزايز (المسنات) أو ركاب الحمير للدلالة على مرور الوقت ببطء والإحساس بالتعب. وتستمد هذه العادات الصحراوية أصولها من ثقافتهم وعاداتهم الغذائية التقليدية الذي يوحي بالسمر إلى جانب الحرص على القيام بالشعائر الدينية، وتبادل الزيارات بين الأهل والأقارب من أجل تدعيم أواصر صلة الرحم، والإكثار من عمل الخير والإحسان وتقديم الصدقات إلى الفقراء والمحتاجين. فمن خلال أصناف وجبات الأكل المقدمة خلال شهر رمضان بالأقاليم الجنوبية، يظهر جليا التحول الذي طرأ على النظام الغذائي بهذه الأقاليم بفعل الانتقال إلى حياة الاستقرار عوض حياة البداوة والترحال، وكذا التطور الذي شمل جميع مجالات الحياة اليومية لأبناء الأقاليم الجنوبية.