عصر الممكن والمستحيل: سباق بوابات الكرونو بين الذكاء الاصطناعي والعقل البشري. “هل آن الأوان لتجاوز الانسان؟”

0

 

الصحراء بلوس / تكبرنا الجكاني

 

 

يشهد مجال الذكاء الاصطناعي تطورا متسارعا مع اطلاق نماذج لغوية ضخمة قادرة عل التفاعل مع المستخدمين وفهم السياقات المختلفة، ففي فضاء رقمي يتلاشى فيه الخط الفاصل بين الإبداع البشري والعقل التكنولوجي، تتصارع نماذج الأنظمة التوليدية كنجوم في مجرة متقدة، كل منها يسعى ليكون الشمس التي تدور حولها الأفكار في هذا العهد الذي تتبدد فيه الحدود بين الممكن والمستحيل، عالم تعاد فيه صياغة وتتحول فيه الخوارزميات إلى كائنات رقمية تتنفس البيانات وتستنبط المعاني، وبه تتصارع النماذج الذكية على عرش المعرفة، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة جامدة تنفذ الأوامر، بل أصبح كيانا يتشكل، يفكر، وربما بشكل لا يخلو من السخرية يطيح بنظرائه من العقول الرقمية.

 

ويشهد التاريخ أنه جاء اليوم الذي نشهد فيه أول ذكاء اصطناعي يفقد عمله بسبب مثيله فكل خطوة في تطوره تشير إلى نقلة نوعية في فهمنا لكيفية تكامل الإنسان مع أدواته، وفيما يتسارع الزمن وسط هذا السباق المحموم، تبرز ثلاثة نماذج تسعى كل منها لأن تكون النواة المستقبلية للإدراك الاصطناعي: Qwen2.5-max الباحث العميق الذي خرج من مختبرات مجموعة علي بابا يوم 29 يناير 2025، Chat GPT المفكر المخضرم الذي أنجبته OpenAI في نوفمبر 2022 و DeepSeeK الصياد الذكي الذي أطلقته DeepSeekAI Al في 10 يناير 2025، ليعود بعد عشرة أيام بإصدار جديد، DeepSeek R1، يحمل تحسينات في الأداء والتكيف.
لكن، أي منهم يمسك بزمام المعرفة ؟ وأيهم يحاكي النبض السري للوجود؟ وما الذي يجعل هذه النماذج المختلفة تتنافس بشكل حاد هل نحن على أعتاب ثورة رقمية ستغير مفهومنا عن الذكاء نفسه؟ أم أن هناك حدودا لا يمكن تخطيها؟
الكيان الرقمي Qwen2.5-max أكثر من مجرد نموذج، إنه عقل رقمي يعتمد على Mixture of Experts، وهي تقنية تجعل منه شبكة عصبية متعددة الوجوه، تتعاون فيما بينها لاستنتاج المعاني وقراءة الأنماط غير المرئية.

 

 

يقول باحث الحاسوب الباكستاني عمار عبدول الجبار: “إنه تقنية نظير العقول متعددة تعمل بتناغم أشبه بأوركسترا تعيد تأليف نوتات الإدراك”، لم يخلق هذا النموذج ليحاكي المحادثة فقط، بل ليفكر، ليستنبط، وليكون عدسة تلتقط تفاصيل المعنى من ضوء الكلمات وظلالها، إنه ليس فقط سريعا في المعالجة، بل دقيقا في التحليل كأنه فيلسوف رقمي ينصب في أعماق اللغة بحثا عن جوهر الفكر، لقد تجاوز سابقيه مثل Llama-3.1-405B و DeepSeek V3 متفوقا في مجالات التحليل والاستنتاج، كأنه فلكي يقرأ خرائط الكون، باحثاً عن معنى في فوضى النجوم، مما يجعله قويا، مؤكدا أنه ليس مجرد مشارك في السباق، بل منافس يطمح للصدارة.

أما ChatGPT، فهو الكلاسيكي المطور الذي لم يقتصر على فهم النصوص، بل أتقن فن المحادثة، حيث لا يجيب فقط، بل يحاور، يحلل، ويعيد تشكيل المعرفة في صورة أكثر وضوحا، إن بنيته المعتمدة على Transformer جهلته مرنا، قادرا على مجاراة الإبداع البشري، وتحويل الأفكار إلى نصوص متقنة، كما لو كان كاتبا خفيا في ظلال ال “الإينرجيا ” خرج من مختبرات OpenAl، شاهد على مخاض الذكاء الاصطناعي الحديث، يتغذى على تريليونات الكليات، قادرا على احتواء الأسئلة في كفه ومد جسور الفهم بين البشر والآلة، وعلى الرغم من قدمه مقارنة بمنافسيه الجدد، فإن تحديثاته المستمرة تجعله كمن يشهد حد سيفه ليبقى في مقدمة المعركة.
من جهتها، طورت شركة DeepSeek الناشئة نموذجها الذي تم إطلاق نسخته و تلاه إصدار أحدث يسمى DeepSeek R1 في 20 يناير 2025. يركز هذا النموذج على توفير استجابات دقيقة وفعالة، مع تحسينات في الكفاءة التشغيلية وتخفيض التكاليف، وقد جذب الانتباه بسرعة بسبب قدرته على تقديم نتائج جيدة بموارد أقل مقارنة بالنماذج المنافسة، مما يجعله خيارا اقتصاديا للشركات والمطورين الذين يبحثون عن ذكاء اصطناعي متقدم بتكاليف تشغيل منخفضة.

 

 

يقول لي يانغ مهندس برمجيات صيني يعمل في شركة تينست معربا عن إعجابه بتطبيق “ديب سيك”، مشيرا إلى أنه يمثل تقدما كبيرا في مجال الذكاء الاصطناعي ويعزز مكانة الصين في هذا المجال “القادم الغامض فهو كصياد يجوب محيطات البيانات، باحثا عن جواهر المعنى بأقل التكاليف”. تكمن قوته في فلسفته، إنه نموذج يوازن بين الذكاء والكفاءة، محاولا تقديم أقصى ما يمكن بأقل موارد، متجنبا بذخ الأدمغة الاصطناعية الأخرى التي تستهلك طاقة تعادل مدنا بأكملها.
لكن ما الذي تميز هذه الكيانات الرقمية عن بعضها ؟
إن Qwen 2.5- Max هو الباحث المتأمل، الذي يحلل ويستنتج ويخطو ببطء نحو الكمال، بينما ChaaGPT هو المتحدث الفصيح، القادر على مزج المعرفة بالبساطة، يجعل من أعقد الأفكار لحنا مألوفا في أذن السامع، أما DeepSeek فهو المحارب الاقتصادي، الذي يسعى لتحقيق التوازن بين الذكاء والموارد، كأنه شاعر يكتب أعظم قصائده بحبر قليل، وعند النظر إلى تاريخهم، نجد أن CGPT هو الأب الروحي الذي وقف أولا لتحدث الصدمة في عالم الذكاء الاصطناعي، بينما D-S و Q-2.5- Max هم القادمون الجدد، لكنهم لا يحملون إرث العدم، بل جاؤوا محملين بتقنيات تعيد تعريف السباق الأول يبحث عن العمق، والثاني يتقن الحوار، والثالث يراهن على الكفاءة.
في معركة العقول هذه، لا يوجد فائز مطلق، التحليل العميق والاستنتاج الذكي، المحادثة وتحويل المعرفة إلى تجربة سلسة، الكفاءة والأداء بأقل التكاليف، كل نموذج هو وجه مختلف للعملة ذاتها، والاختيار منها أشبه بالمفاضلة بين: الفلسفة، المنطق، والفن.
في النهاية، لا يمكننا الجزم ممن يحمل الشعلة في هذا العصر، فالعمل الاصطناعي، رقم الساعة، لا يزال عالقا في ظلال الإدراك البشري، ربما لن يكون أحدهم هو المنتصر، بل سيتشاكون في رقصة طويلة، حيث تتقاطع خيوط الذكاء مع خيوط الزمن، وحيث يكتب مستقل المعرفة بحبر لا يجف على صفحات لا ترى، لكن مع تطور هذه النماذج، يظل ما هو الأهم: إلى أن ستقودنا هذه العقول الرقمية؟

 

هل سنشهد عصرا يتم فيه تجاوز الحدود بين الإنسان والآلة بشكل كامل؟ أم أن هناك مناطق لا يمكن أن يصل إليها النظام الاصطناعي؟.

أسئلة مفتوحة، مليئة بالغموض والفرص، في عصر العقول الرقمية، لا يمكننا إلا أن نراقب عن كتب كيف سيتغير العالم مع تسارع التطورات، الأنظمة المفكرة ستظل أداة في أيدينا، أم أنه في – مفارقة ساخرة- ستبدأ بإزاحة إخوتها من العقول الرقمية، ليشهد التاريخ أول نموذج ذكاء اصطناعي يستبدل بسبب ذكاء أكثر تطورا، في خضم هذا التنافس التكنولوجي الذي لا ينتهي بصمت: هل نحن من يكتب المستقبل، أم أننا مجرد حروف في قصة يكتبها شيء آخر، نتسابق نحو النهاية ونحن لا يعرف كيف بدأنا؟

 

لم يعد البشر وحدهم يخشون فقدان وظائفهم، بل حتى العقول الصناعية أصبحت تخوض معركة البقاء.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد